اصول آسيوية تحكم بريطانيا.. وصراع «هندي ـ باكستاني» على مستقبل البلاد

متابعه/مرثا عزيز
ظاهرة ملفتة للانتباه أولا، ثم تستدعي مزيدا من الرصد والتحليل في بريطانيا، وتشغل اهتمامات ومتابعات الدوائر والمراكز البحثية والسياسية، بعد أن تولى سياسيون من أصول آسيوية، مسؤولية قمم السلطات الحاكمة في بريطانيا.
ويبدو أن بريطانيا تقدم نموذجاً لتطور المجتمع حين يؤمن بالتنوع ويفتح الباب لكل أبنائه دون تفرقة، ليفوز قبل 5 أشهر «ريشي سوناك» زعيماً لحزب المحافظين ورئيساً للحكومة.. والرجل كان بصحبة التاريخ وهو يدخل المكتب الذى كان يحكم منه تشرشل نصف العالم ذات يوم، ولم يكن يتصور أحد فى أيامه أن شاباً من أصول هندية سيصبح بعد عدة عقود رئيساً للحكومة البريطانية.
لكنها الأيام وحتمية التغيير وقيم العصر التى أصبحت تتقبل ما كان مستحيلاً فى عصر الإمبراطوريات التى تبارت فى استغلال الشعوب واستعمار الدول.
لكن الأهم أن بريطانيا كانت تقدم نموذجاً لتطور المجتمع حين يؤمن بالتنوع ويفتح الباب لكل أبنائه دون تفرقة.
ومنذ أيام شهدت بريطانيا تطوراً آخر على نفس الطريق.. فى اسكتلندا اختار الحزب القومى الحاكم رئيساً جديداً له سيتولى رئاسة الحكومة هناك. الزعيم الجديد «حمزة يوسف» شاب فى السابعة والثلاثين ابن مهاجر باكستانى مسلم. ليترقب الجميع صراعاً قادماً بين ابن المهاجر الهندى «سوناك» وابن المهاجر الباكستاني «حمزة» الذى كان أول تصريح له هو: «سنكون الجيل الذى يحقق استقلال اسكتلندا». وهو ما تعارضه الحكومة البريطانية التى ترفض تماماً المطلب الاستكتلندي بإجراء استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا.
وتقول الباحثة البريطانية، إيما دنكان، إنها انتبهت إلى تطور غير معتاد في بريطانيا، حيث أصبح ثلاثة، أو ربما خمسة، من أهم السياسيين في البلاد ممن ترجع أصولهم إلى شبه القارة الهنديةرئيس الوزراء، ريشي سوناك.. وعمدة لندن، صديق خان..ورئيس وزراء اسكتلندا، حمزة يوسف، وينحدرون جميعا من أصول آسيوية..ويمكن إضافة زعيم حزب العمال في اسكتلندا ووزيرة الداخلية إلى هذه القائمة.
وتضيف في مقال بصحيفة «التايمز» البريطانية، إنه من النادر في أوروبا رؤية سياسيين من الأقليات العرقية في مناصب قوية..وفي الولايات المتحدة ـ مثلا ـ تمثل قضية العرق شأنا سياسيا للغاية، وبينما حصل ريشي سوناك على مناصبه العليا الرفيعة في بريطانيا، على أساس الكفاءة، فإن كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي، فقد حصلت على منصبها جزئيًا لضمان دعم تصويت الأقليات العرقية للحزب الديمقراطي.
صعود أبناء المستعمرات البريطانية السابقة
هذه الظاهرة تستحق التأمل والتحليل، ويجدر التوقف والتفكير في أهمية هذا التطور في بريطانيا.. بينما التساؤلات تظل قائمة، بحسب إيما دنكان: ماذا كان يمكن للإمبرياليين أن يفعلوا إزاء هذا الصعود لأبناء المستعمرات السابقة؟ وماذا عن نظريات التفوق العنصري التي قدمت التبرير الأخلاقي للاستعمار؟
كما تتساءل أيضا في الصحيفة: كيف سيكون شعورهم حيال احتمال حصول اسكتلندا على الاستقلال في المستقبل القريب، حيث من المتوقع أن يتم تقسيم المملكة المتحدة من قبل زعيم من أصل باكستاني في هوليرود «هارون حمزة يوسف»، وزعيم من أصل هندي في داونينغ ستريت «ريشي سوناك»؟
حمزة هارون يقود استقلال اسكتلندا عن بريطانيا
كان الاستقلاليون الاسكتلنديون، اختاروا، شابا باكستاني الأصل، لمنصب زعيم «الحزب الوطني الاسكتلندي» وباتالي الصعود لمنصب رئيس الوزراء، وهو أول مسلم بتاريخ المقاطعة البريطانية يتبوّأ هذا المنصب والتعهد بقيادتها لتحقيق الاستقلال «في هذا الجيل» عن بريطانيا.
وتم انتخاب حمزة هارون يوسف لزعامة الحزب، خلفا لـ «نيكولا ستيرجن»، التي تنحت في 15 فبراير/ شباط الماضي عن منصبها الذي شغلته طوال أكثر من 8 سنوات، وفاز حمزة بنسبة 52.1% على وزيرة المالية كايت فوربس، وأصبح يوسف الذي كان وزيرا للصحة في الحكومة الاسكتلندية المحلية، أول مسلم يرأس حزباً سياسياً كبيراً في بريطانيا، ويتولى منصب وزير أول (رئيس حكومة) في اسكتلندا البالغ سكانها أكثرمن 5 ملايين و500 ألف.
والمعروف أن حمزة هارون يوسف، ولد قبل 37 عاما في مدينة غلاسكو، لأب باكستاني مهاجر وأم مهاجرة من كينيا، وهو مقرّب من ستورجن التي «يرث عنها مهمة حساسة ومتمثلة بإعادة إطلاق حركة الاستقلال التي تفقد زخمها وتصطدم برفض لندن السماح بإجراء استفتاء جديد».. وهو ما عبّرت عنه الحكومة البريطانية مجددا اليوم بالذات.
وقال يوسف في خطاب النصر، بحسب ما نقلت وسائل إعلام بريطانية عدة: «سنكون الجيل الذي سيحقق استقلال اسكتلندا»، وأكد أن الاسكتلنديين «بحاجة للاستقلال اعتبارا من الآن، أكثر من أي وقت». لكن ناطقا باسم رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أكد أن سوناك يتطلّع للعمل مع زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي الجديد «لكنه يرفض الدعوة التي أطلقها لإجراء استفتاء جديد على الاستقلال»، مضيفا أن الأسكتلنديين وكل البريطانيين يأملون من السياسيين أن “يركزوا على القضايا التي تهمّهم أكثر من أيّ شيء آخر، ومنها خفض التضخم ومعالجة ارتفاع مستوى المعيشة وتراكم عمل المستشفيات” وفق تعبيره.
ويرى محللون وباحثون في لندن، أن هذه التطورات حدثت جزئيًا لأن بريطانيا، على الرغم من تاريخها في الاستعمار والعبودية، غير عنصرية نسبيًا..وأن الدنيا تتغير بسرعة، وحتى قلعة التقاليد فى بريطانيا تستسلم أمام رياح التغيير.
الطريف أن هناك مؤشرات لصراع «هندي ـ باكستاني»، ليس على الحدود بين البلدين، ولكن على بعد آلاف الآميال باتجاه الغرب..صراع سياسي على مستقبل بريطانيا..صراع بين ابن مهاجر هندي وابن مهاجر باكستاني، حول وحدة بريطانيا أو استقلال اسكتلندا.