بعد عام بالتمام متي تنتهي الحرب الروسية الاكروانيه

كتبت/مرثا عزيز
فيما لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على المشهد العالمي، رغم مرور عام بأكمله على اندلاعها في الرابع والعشرين من شهر فبراير 2022، تعقد شعوب العالم بأسره آمالها على «معجزة» ربما تفضي إلى نهاية تلك الحرب المدمرة، التي أكلت الأخضر واليابس، وزادت معاناتهم، حين خسفت باقتصادات الدول، حتى الكبرى منها، وجعلتها هشيما تذروه الرياح.
فآلة الحرب التي تدور رحاها منذ عام لم تجد حتى الآن من يوقفها، رغم المفاوضات التي كانت قد جرت بين موسكو وكييف، ورغم المساعي الدولية، لا سيما الغربية، والتي باءت جميعها بالفشل، تحت وطأة نيران القصف، وأصوات صفارات الإنذار المرعبة.
وقد أفرزت هذه الحرب تداعيات خطيرة على المستويات الاقتصادية السياسية والعسكرية والأمنية، ليس في روسيا وأوكرانيا فقط، وإنما في مختلف دول العالم.
على الصعيد الاقتصادي، كان العالم ولم يزل عالقا في شباك التراجع ثم الانهيار، وعلى الصعيد السياسي، ساءت علاقات بعض الدول ببعضها البعض، ولعل التوترات التي تجمع روسيا والولايات المتحدة خير دليل على ذلك، أما على الصعيد العسكري، فحدث ولا حرج، لكن في ما يبدو للجميع تنوع أطراف الصراع، وخصوصا بعد تدخل حلفاء البلدين المتحاربين، وعلى الصعيد الأمني، فقد بات الجميع في مرمى النيران، ولنا في بولندا مثل حين أصابت صواريخ روسية أراضيها، على الرغم من أن موسكو نفت الأمر برمته.
الشرارة الأولى
في صبيحة يوم الخميس، الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط عام 2022، استيقظ العالم على دوي الانفجارات جراء الهجوم الكاسح الذي شنته القوات الروسية ضد أوكرانيا، والذي شمل إطلاق صواريخ على مدن وأهداف عسكرية أوكرانية.
الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسميها موسكو «عملية عسكرية خاصة» جاءت عقب خطاب تلفزيوني طالب خلاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيش أوكرانيا بإلقاء الأسلحة، وهو ما رد عليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن بلاده لن تتخلى عن حريتها، مضيفا أن روسيا تمضي في طريق الشر، وأن بلاده تدافع عن نفسها.
بين هذا وذاك أفادت تقارير مبدئية بوقوع ضحايا مدنيين إلى جانب عدد من القتلى في صفوف القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية.
أكثر المتشائمين كان يتوقع انتهاء الحرب في غضون أسابيع قليلة، لكن العمليات العسكرية على الأرض أثبتت عكس ذلك، بدليل مرور العام الأول للحرب التي لا تزال متواصلة حتى كتابة هذه السطور، من دون أن يعلم أحدهم متى تضع تلك الحرب أوزارها.
التلويح بالنووي
لم يمضِ سوى 3 أيام فقط حتى بدأ التلويح الروسي باستخدام السلاح النووي، حين أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع قوات الردع التي تضم أسلحة نووية في حالبة تأهب قصوى.
وقال بوتين، إنه نظرا لأن كبار المسؤولين في دول الناتو سمحوا لأنفسهم بالإدلاء بتصريحات عدوانية ضد بلاده، فقد أمر وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة بوضع قوات الردع في حالة تأهب قتالي.
وأثارت تلك الخطوة مخاوف عدة، من أن تصدق روسيا في تهديداتها، وأن تشرع في شن هجوم نووي.
سرعان ما وصلت قوات الجيش الروسي إلى ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، لكن محاولاتها السيطرة على مجريات الأمور هناك قوبلت بمقاومة شديدة من الجانب الأوكراني.
وخرج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقطع فيديو تم تصويره خارج مقره، أكد من خلاله أنه لا يزال في منصبه، وأن الأوكرانيين لن يتوانوا في الدفاع عن أرضهم ضد الهجمات الروسية.
الجولة الأولى من المفاوضات
قبل نهاية الشهر، وتحديدا يوم 28 فبراير 2022، لجأ طرفا الحرب إلى طاولة التفاوض بهدف التوصل إلى حل من شأنه أن يفضي إلى إنهاء الحرب، في مفاوضات وصفت بـ«الصعبة».
عاد المفاوضون من الطرفين كل إلى بلاده للتشاور بشأن ما تم التوصل إليه، قبل بدء الجولة الثانية من المفاوضات.
حينها قال مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، إن الطرفين حددا سلسلة أولويات ومواضيع تتطلب اتخاذ بعض القرارات، فيما قال نظيره الروسي، فلاديمير ميدينسكي، إن اللقاء الجديد سيكون قريبا على الحدود البولندية البيلاروسية.
لكن شيئا لم يكن، فالمفاوضات جميعها باءت بالفشل، بعدما وضع كل طرف من الطرفيسن شروطه، وظلت موسكو وكييف تثخنان في الحرب حتى اللحظة.
حشد دولي ضد الحرب
أمام تلك الحرب، حشدت بعض الدول ضد الهجوم الروسي في المحافل المختلفة، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، التي تبنت في الثالث من مارس 2022 قرارا يستنكر الهجوم الروسي على أوكرانيا، ويدعوها لسحب قواتها على الفور.
سيطرة روسية على مدن أوكرانية
في مطلع شهر مارس 2022، أعلنت روسيا بسط سيطرتها على مدينة خيرسون الاستراتيجية الجنوبية، كما سيطرت قوات موسكو أيضا على مساحة واسعة من مقاطعة زابوريجيا، بما في ذلك محطة الطاقة النووية التي تعد الأكبر في أوروبا.وبينما كانت القوات الروسية التقدم على المحاور الاستراتيجية كافة، كان هناك دفاع مستمين من الجانب الأوكراني، الذي تدعمه الولايات المتحدة والدول الغربية.
وفي أبريل 2022، أعلنت روسيا السيطرة على مدينة ماريوبول، المطلة على بحر آزوف، والتي تعد واحدة من أهم أهداف روسيا الاستراتيجية في معركتها وفي حربها ضد أوكرانيا.
وأمام الضربات الروسية الموجعة، وافق الأوكرانيون بمصنع الصلب العملاق «آزوفستال»، وهو آخر معقل أوكراني متبقٍ في ماريوبول، على الاستسلام للقوات الروسية، بعد حصار استمر قرابة 3 أشهر، فكان ذلك في منتصف شهر مايو.
وفي يونيو، بدأ الحال يتبدل، على وقع تدفق الأسلحة الغربية على أوكرانيا، بماف ي ذلك قاذفات الصواريخ المتعددة «هيمارس»، التي أمدت بها الولايات المتحدة أوكرانيا.
ثم في ذات الشهر، أعلن حاكم لوجانسك أن القوات الروسية سيطرت على مدينة سيفيرودونتسك الاستراتيجية، لكن الشهر لم ينتهِ حتى بدأت قوات موسكو في الانسحاب من جزيرة الثعبان الواقعة قبالة ميناء أوديسا على البحر الأسود.
وفي شهر يوليو 2022، شهدت منطقة دونباس، وهي منطقة صناعية في شرق أوكرانيا، أكبر وأشرس حرب في أوروبا من أجيال، كان طرفاها روسيا وأوكرانيا.
وفي أغسطس، هزت انفجارات قوية قاعدة جوية في شبه جزيرة القرم، بعدما استهدفتها القوات الروسية بأسلحتها.
استفتاءات الضم
وفي سبتمبر 2022، أجرت روسيا استفتاءات في 4 مناطق أوكرانية، هم: لوجانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، عما إذاكانت ترغب في الانضمام إلى روسيا من عدمه، لتعلن السلطات الموالية لموسكو، نجاح ما عرف باسم «استفتاءات الضم»، في خطوة قوبلت برفض عالمي واسع النطاق.
ثم في 30 سبتمبر 2022، وقع الرئيس الروسي وثائق لضم المناطق الأربع في احتفال بالكرملين، معلنا أن الدب الروسي قد التهم 4 أقاليم أوكرانية.
أوكرانيا تندد بالاستفتاءات الروسية
من جهتها، نددت كييف بالاستفتاء الذي أجرته روسيا لضم 4 مناطق أوكرانية.
وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقف التفاوض نهائيا مع الجانب الروسي.
وقال عقب إعلان نتائج الاستفتاء: «يستحيل التفاوض مع موسكو بعد استفتاءات الانضمام لروسيا».
وأضاف زيلينسكي، في مداخلة مسجّلة بثّت عبر الفيديو خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي أن «اعتراف روسيا بالاستفتاءات الزائفة على أنها طبيعية، وتطبيقها نفس السيناريو الذي طبقته في شبه جزيرة القرم، ومحاولتها مرة إضافية ضم جزء من الأراضي الأوكرانية، كل هذا يعني أنه لا يتعين علينا التفاوض مع الرئيس الروسي الحالي».
رفض دوليوقوبلت الاستفتاءات التي أجرتها روسيا لضم المناطق أوكرانية الأربع برفض دولي واسع النطاق، وكان في مقدمة الرافضين الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، اليوم وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والولايات المتحدة، التي أكد وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، أن الغرب لن يعترف مطلقًا بضم روسيا للأراضي الأوكرانية، بعد أن بدأت السلطات التي نصبها الكرملين تعلن نجاح استفتاءات نظمتها في المناطق الخاضعة لسيطرة موسكو.
هجوم جسر كيرتش
وفي أكتوبر 2022، شنت أوكرانيا هجوما على جسر كيرتش، مما أدى إلى اشتعال النيران في عدد من صهاريج الوقود بقطار كان يسير عبر الجسر، وقد أسفر الهجوم عن تعليق حركة المرور بالكامل على الجسر، في خطوة وصفها مستشار الرئيس الأوكراني بأنها البداية.
أثارت الحادثة ردود أفعال غاضبة من جانب روسيا، التي اعتبرت الهجوم بمثابة إعلان حرب من قبل أوكرانيا.
وفي نوفمبر 2022، انسحبت روسيا من مدينة خيرسون والمناطق التابعة لها أمام هجوم أوكراني مضاد، متخلية بذلك عن المركز الإقليمي الوحيد الذي استولت عليه.
ثم في ديسمبر 2022، اتخذت الحرب طابعا مختلفا، حينما أعلن الجيش الروسي أن أوكرانيا استخدمت طائرات بدون طيار لاستهداف قاعدتين للقاذفات بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية.
وفي يناير 2023، قُتل عشرات الجنود الروس الذين تم حشدهم حديثًا، خلال هجوم صاروخي شنته أوكرانيا على مدينة ماكييفكا.
وفي فبراير الحالي، ومع مرور عام على اندلاع الحرب، قام الرئيس الأمريكي بزيارة إلى كييف، التقى خلالها الرئيس الأوكراني للمرة الولى منذ اندلاع الحرب، في خطوة رآها الكثيرون أنها بمثابة رسالة دعم للجانب الأوكراني، وفي الوقت ذاته تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة نداء للسلام في أوكرانيا.متى تنتهي الحرب؟
مر عام على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولا مؤشرات بقرب انتهاء هذه الحرب التي اكتوى بنيرانها العالم بأسره.
لكن غالبا ما سيطول أمد الحرب حتى يحرز أحد طرفيها النصر، فماذا يعني النصر عند كل منهما؟
على الصعيد الروسي، قال الكاتب والباحث السياسي، أندريه مورتازين، إن روسيا كان لها العديد من الأهداف قبل بدء العملية العسكرية، ونُفذ هدف واحد إلى حد ما وهو تحرير جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك، حتى وإن لم يكتمل التحرير بعد لكن تم تحرير مسافات كبيرة.
وأضاف مورتازين لـ«الغد» من موسكو أن المهمة الرئيسية والاستراتيجية لم تُنفذ بعد، وهي مهمة وضع حد لتوسع حلف الناتو إلى الشرق، مؤكدا أن روسيا ستنتصر عندما يتم إلغاء أي خطر من الطرف الأوكراني والقصف الصاروخي لدونيتسك ولوجانسك وشبه جزيرة القرم، وتحويل أوكرانيا إلى دولة محايدة وطرد السلاح الغربي والمرتزقة من أراضي أوكرانيا، فهذا هو الانتصار، أما الإطاحة بنظلم فولوديمير زيلينسكي فهو أمر غير مهم على الإطلاق لأن روسيا ترى أوكرانيا المعاصرة مستعمرة أمريكية، وأن زيلينسكي وكيل لإدارة جو بايدن في كييف.
وعلى الصعيد الأوكراني، قال رئيس الهيئة الاستشارية للمعهد الأوكراني للدراسات السياسية، الدكتور فالنتين ياكوشيك، إن فهم مبدأ النصر لدى الشعب الأوكراني مشابه لنفس المفهوم بالنسبة لروسيا.
وأضاف لـ«الغد» من كييف أن الحرب بمثابة اختبار للآلة العسكرية الغربية لوقف الزحف الروسي، وصولا إلى النقطة التي بدأت عندها الحرب الروسية ومهاجمة الأراضي الأوكرانية، وبالنسبة لروسيا فالمهمة نفسها، لأنهم يريدون متابعة الزحف والتقدم، وبالتالي هو اختبار أيضا للآلة العسكرية الروسية.
وتابع: «حينما تضع تلك الحرب أوزارها، يمكننا أن نعرف ماهية النصر، الذي يعتبر نوعا من الحل حينما يحقق طرف الغلبة على الآخر»، مضيفا: «أظن أن هذا الطرف سيكون مدعوما بالكامل من الغرب وهنا يمكن أن نقول إن اوكرانيا سوف تنتصر».